
تورتة الجوزي بالإجاص « المتفحمة »… أو الخيط الرفيع بين ثقافتي « الإخفاق » و « النجاح » !
الصورة المرفقة لتورتة الإجاص و الخوخ أو ما تبقى منها بعد حرقها حرقا غير مقصود. إذ لا أحد منا يتعمد حرق وجبة استثمر في تحضيرها عرقا غزيرا و ساعات طوال. اللهم إذا كانت تمة استراتيجية من وراء ذلك.
و لأن « رب ضارة نافعة »، و لأن الاستراتيجيات قد تنهال على رأسك أحيانا دونما استدعاء، فشكل التورتة البشع جعلها هي، في منأى عن غارات أفراد الأسرة-العصابة، و جعلني أستفرد بها، أنا من أعلم بعد الله سبحانه، أنه لم تحرق منها سوى الواجهة، ليبقي عجين اللوز و الجوز المنسم بالقرفة و المسكة الفاسية بداخلها مصانا، فضلا عن كون قعر التورتة المرمل اللذيذ لم يصب بأدى و لم تأخذ منه النيران لا حقا ولا باطلا. و الحمد لله أن جعل النار على تورتتي بردا و سلاما !
تتكون التورتات عموما، من أسفلها إلى أعلاها، من ثلاث طوابق : قعر التورتة المرملة، ثم « الجهاز » (أو لاباراي)، فالفاكهة المعتقة و سائلها اللزج. و الطوابق كلها مهمة في جعل الوجبة عملا إبداعيا.
اعتدت أن أوفق في جعل الطوابق إياها تتناغم فيما بينها. و هذا ما يشرح شراسة غارات أفراد الأسرة-العصابة الذين قد يلتهمون التورتة في دقائق معدودات و أحيانا في ثوان. لذلك تراني أشتغل ليلا و خلسة حتى أعطي مكونات التورتة فرصة التفاعل فيما بينها و أتمكن على الأقل من أخذ صور تذكارية معها.
و اعتدت بالخصوص أن أحضر جهاز التورتة من كريمة اللوز. و لكن هذه المرة و لأول مرة أنجزتها بكريمة الجوزي مادام الگرگاع متوفرا لذي… لكن الترتة تفحمت ! أو هكذا اعتقد نجلاي صبيحة اليوم الموالي، فخلوا سبيلها و انصرفوا خائبين إلى مدارسهم، لأستفيق أنا بعد ذلك و أرى المعجزة بأم عيني : كتبت النجاة لتورتة الجوزي و الإجاص و الخوخ !
و عن السبب في احتراق التورتة و إن كان غير مهم مقارنة بالنتيجة، فقد يفيدنا في شيء نوعا ما روحاني ! هو أنه قد يأتيك ملاك لا حاجة له بأمور الدنيا، و يلهيك بما هو أهم من التورتة، فينسيك أن تمة شيء ما يطهى في الفرن و أن في « الحياة الدنيا » معادلة تقتضي أن تكون النار و الوقت ظاهرتان كونيتان يجب أخد ضراوة الأولى و خيانة الثانية محمل الجد فيما يخص مسائل الطبخ على الأقل !
و الملاك هنا شخص من خيرة القوم، غال على قلبي و لا يأتيك من ورائه شر. سبحان من خلق فهدى !
أمين، وهذا إسمه، ارتأى أن يهاتفني ليلا و يناقشني لساعات في أمور روحية و أخرى دنوية، حتى أنساني الفرن و ما بداخله.
على أي قررت أخذ صورة لإنجازي الفاشل، بعد أن اقتطعت لنفسي مثلثا جللا و صرت ألتهمه و كأني أقتص منه لذنب لم يقترفه. و بكل صدق، ولن أغالي في مهاراتي الفنية (اللهم لا حسد) هههه، كانت تجربة جهاز التورتة بالجوزي رائعة و استمتعت بتذوقها. و لكم أن تجربوها حتى تنتشوا كما انتشيت !
عند إخراج التورتة من الفرن، كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا و كنت لم أنم بعد، بعد يوم شاق. لكن ذلك لم يثنيني عن أن أعتبر مما حصل لي و مني، جاعلا الملاك إياه خارج المعادلة.
و يجرني التأمل في المصاب إلى ظاهرة كلنا أو جلنا يرى فيها أمرا عاديا و لكنها تحمل في طياتها ما يعزى له فشلنا كأفراد، كجماعات و كدول : « ثقافة النجاح » !
ثقافة دفينة تجعلنا لا نعرض على مواقع التواصل الاجتماعي مثلا سوى ما وفقنا في القيام به. إذ لا يقتسم المرء منا مع الآخرين ما فشل في إنجازه و لو كان من باب السخرية من الذات أو الترويح على نفوس بعضنا البعض !
لاحظوا معي أن كل أو معظم صور الوصفات و الوجبات التي تعرض على « الفايس بوك » منمقه و رائعة، تجعل من السادة و السيدات الطهاة، هواة و محترفين، « سوبيرمانات » عصرهم !
ثقافة النجاح هذه تقتضي أن ننجح في كل شيء مهما كلفنا ذلك. أما ثقافة الإخفاق فتجعلنا لا نخجل من إخفاقاتنا. بل تجعل من الإخفاق حافزا لا شللا مستديما !
و إذا تفضلتم بالتجوال في مواقع التواصل الإجتماعي ستجدون أن الباحثين في المجال يتفقون على أن هناك مدرستين كونيتين. الأولى أوروبية و يتبع لها جل المستعمرات الأوروبية سابقا و حالىا و ربما لاحقا من دول أفريقية و آسياوية. و الثانية ثقافة أمريكية-شمالية، و تحمل في طياتها ثقافة « صفر خجل من الإخفاق »، و هي التي تنجب اليوم أشخاصا و شركات من قبيل بيل « گايتس » و « ستيف جوبس » و شركتي « ماكروسوفت » و « آبل » اللتان تكتسحان السوق العالمية، للمثل لا للحصر.
و يرى المهتمون بالشأن أن سر نجاح من و ما سلف ذكرهم هو تعاطيهم مع مسألة « الإخفاق » تعاط إيجابي. حيث يتم اعتبار الإخفاق مرحلة نحو النجاح، عوض اعتباره نقيضا له. إذ ما قصة نجاح « بيل كايتس » إن لم تكن قصة إخفاقاته المتكررة !
أنا عن نفسي و منذ أن شاهدت الرابط المرفق أسفله و الذي أرى فيه « فيديو السنة »، قررت التعاطي مع الإحباط « اللعين » بما يستحقه مني، أي اعتباره محطة في طريق النجاح… لا غير !
لكم مني كل التحية و المودة.
ترقبوا على موقع « أصوات مهاجرة » و صفة تورتة الجوزي و اللوزي و البوعويد و الخوخ و اللزي منه !